الاثنين، 18 مارس 2019


مسندم.. نصلة الخنجر العماني المسنون


سالم بن عبدالله الرحبي


حين وقف عالم الطبيعة الروماني الشهير "بليني" مذهولاً أمام السطوة المهيبة لجبال مسندم لم يجد تعبيراً أنسب لوصف صخورها إلا بـ"المخيفة".. وهو لم يكن مخطئاً في ذلك، فهي أرض الأسرار العميقة والكنوز المهابة، ونصلة الخنجر العماني المسنون الذي لطالما كان حاداً وقاطعاً لكل خائن أو مستعمر، وليس أدل على ذلك من صولات وجولات أبناء مسندم على مر العصور والدماء الطاهرة التي بذلت في سبيل عمان فاختلطت بجبالها ووهادها وزرقة بحرها، لتنبت رؤوساً أصلد من الصخر وقلوباً أقسى من الحديد حين يتعلق الأمر بحراسة عمان والذود عنها.

خصب.. بخا.. دبا حارسات البحر والجبل، أما مدحا فهي عين الصقور العمانية المحلقة من جبل سمحان في أقصى الجنوب مروراً بالجبل الأخضر وصولاً إلى رواسي مسندم في أقصى الشمال.

حين دكت خيل مالك ابن فهم سنابكها معاقل الفرس في معركة سلوت الشهيرة تداعت لها سيوف مسندم وجروزها فكانت عمان جسداً واحداً وقلباً واحداً.. وحين جاء رسول رسول الله إلى عمان كانت عمان أيضاً جسداً واحداً وقلباً واحداً فلبت رسالة السماء ودانت بدين الله.

وحين وطأ المستعمر البرتغالي أرض عمان تناهمت الأصوات من قلعة الرستاق فلبت النداء حصون مسندم، أن هلموا للوحدة.. فتوحدت السيوف فكانت ضربة رجل واحد تصدعت لها جيوش المستعمر فاستحالت فلولا.

لطالما كانت عمان جسداً واحداً على مر العصور لم يفت عضد وحدتها شائن ولا حاقد، وهاهو جعفر بن خشم العتكي من أهالي مسندم يشد رحاله مع الوفد العماني الذي رافق عمرو بن العاص لمبايعة أبي بكر بعد وفاة رسولنا الكريم.. وهاهو صوت القاضي الفقيه والعالم النزيه كعب بن سوار الأزدي يصدح بالحق والعدل وهو يتقلد منصب القضاء في عهد الخليفة عمر بن الخطاب.. وهاهو البطل المغوار سيد المعارك وأنيس صليل السيوف المهلب ابن أبي صفرة يضرب بيمينه العدو ويفتح الحواضر وعينه تشتاق إلى زرقة بحر مسندم وشموخ جبالها.. وهاهي قصيدة الشيخ محمد بن صالح المنتفقي العالم الزاهد يرثي الإمام سيف بن سلطان اليعربي "قيد الأرض" بقصيدته الخالدة التي يقول في مطلعها:
الربُ باقٍ والخلائقُ فانية
كرهتْ نفسوهمُ الفنا أو راضية

من أول ذرة رمل على الشاطئ وصولاً إلى أعلى قمة في جبال مسندم تشهد بانتمائها العماني الأصيل وتفخر بإنجازاتها التاريخية والحضارية التي تتشاطرها مع أبناء الوطن.. هذا الوطن الذي كان ولا يزال محروساً بسواعد أبنائه، وإن دخل المرض أصحاب القلوب الضعيفة للمساس بالوحدة الوطنية فهو خائب خاسر.

وإلى ذلك المريض الذي تنبت على ظهره تقرحات الحقد والحسد نقول: حاول أن تمد رقبتك إلى مضيق هرمز وتذكر كيف أبحر اليخت الميمون يقلُّ سيد عمان تحيطه قوارب وسفن أبناء مسندم بالبشر والفرح والأهازيج، ثم تأمل جيداً الممر المائي "فك الأسد" الذي سيطبق عليك حتماً إذا ما راودتك أفكارك المريضة.

وإلى الداخل نقول مسندم في ظل النهضة المباركة تستحق الأكثر والأحسن وبانتظار إنجاز جميع المشاريع التي تستحقها وبجدارة هذه المحافظة وأخوتنا من أبنائها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق