السبت، 29 سبتمبر 2018




هاتفك النقال.. قنبلة موقوتة يمكنها أن تنفجر في أي لحظة


مجلس الخنجي ينبش عش الدبابير في مواقع التواصل الاجتماعي


سالم الرحبي


في إحدى مجموعات الواتساب وضع الصديق خالد الفارسي منشوراً عن الجلسة القادمة في "مجلس الخنجي" وهو مجلس أسبوعي باتت أطروحاته ونقاشاته ومساجلاته مادةً للحديث في جلسات بعض الأصدقاء، ورغم أن التجربة لا تبدو حديثة حيث سقبتها تجارب عدة إلا انها تختلف في قدرتها على الاستمرارية رغم التحديات فضلاً عن نوعية الضيوف الذين تستطيع استقطابهم.

كان المنشور عبارة عن دعوة لحضور جلسة هذا الأسبوع والتي ستتناول "وسائل التواصل الاجتماعي" مشفوعة بمحاور الجلسة وسيرة ذاتية للمحاضر الذي تصادف أنه أحد الأصدقاء الموجودين في تلك المجموعة، وهو الصديق أحمد الحوسني.. على الخاص أخبرت أحمد نيتي لحضور الجلسة، واتفقنا على أن نذهب معاً..

مواقع التواصل الاجتماعي هي الشغل الشاغل حول العالم، حيث قفزت ودون سابق إنذار على العديد من وسائل الإعلام الأخرى، ورغم تذبذب مصداقيتها، ووصف البعض لها بأنها باتت مرتعاً للشائعات ومكاناً للتنفير الاجتماعي، إلا انها تستقطب يوماً عن يوم المزيد من المشتركين والمستخدين حول العالم، حتى أنها أصبحت منصة لتصريحات عددٍ من رؤساء الدول ومسؤولين بارزين حول العالم ولشخصيات اقتصادية وسياسية وثقافية وعلمية لم يكن التواصل معهم ممكناً قبلها.

في حقيقة الأمر أعادت مواقع التواصل الاجتماعي تشكيل المجتمع، وأصبح مفهوم الأصدقاء مختلفاً عن السابق، وأدوات النقاش والحوار وحتى السجال آنية وسريعة وأمضى من السيف الذي كانت أنباؤه أصدق من الكتب.

إعادة تشكيل المجتمع تجعل المجتمعات والحكومات أمام تحدٍ حقيقي لتقنية تبدو سرعة تطورها وتغوّلها بين الأفراد أسرع بكثير من القدرة على مجاراتها أو دفع سلبياتها.. تنتشر تماماً كالخلايا السرطانية "وهو المصطلح الذي استخدمه المحاضر خلال الجلسة".

رغم ان بعض الحضور لم يكن يعنيه كثيراً موضوع الجلسة كونها انطلقت في بدايتها من تأثير مواقع التواصل على المجتمع بشكل عام، إلا انها وحال دخولها في موضوعيّ الابتزاز والاحتيال الالكتروني سخنت أطروحاتها وشد الجميع انتباهه، لأن الأمر بات يعنيه ولأن الحديث يناقش قضية الفرد في تحصين نفسه ضد هذا النوع المتطور من السرقة.

محاور الجلسة انطلقت من مقدمة عن الإعلام الاجتماعي تبعها المحور الثاني الذي تناول "ما الذي يحدث خلال دقيقة في التواصل الاجتماعي" حيث استعرض المحاضر أرقاماً مهولة لمجريات التغيير حول العالم خلال دقيقة واحدة فقط، قد لا تكفي لأن تذهب إلى الثلاجة وتشرب كوب ماء..

لك أن تتخيل فقط أن أكثر من مئة وخمسين مليون بريد الكتروني جديد يتم إنشاؤه في الدقيقة الواحدة وقرابة ثلاثمئة ساعة فيديو يتم رفعها على موقع اليوتيوب خلال تلك الدقيقة.. مع أرقام أخرى تستشعر فيها مرحلة الجنون التقني التي دخل إليها العالم.

تناول المحور الثالث المصطلحات الجديدة التي ظهرت بظهور مواقع التواصل الاجتماعي والفرق بينها، وخاصية كل مصطلح على حدة، كان الحديث مخيفاً ليس في تأثيرها المباشر على قضايا سياسية واقتصادية وقدرتها على توجيه الرأي العام فحسب، بل في قدرتها الهائلة على إعادة تشكيل هوية وثقافة المجتمعات وفق معطيات خارجية قد تخلخل ثوابت المجتمع وتزلزل قيمه ومرتكزاته.. ولنا أن نتصور كيف يمكن لمجتمع أن يخلع ثوب هويته ويرتدي ثوباً جديداً مستورداً من الخارج ما يغير النظرة تجاه ذلك المجتمع، فقد يتحول من مجتمعٍ مترابطٍ معروفٍ بالعفة والمصداقية والاحترام إلى مجتمع خواء يلفظ كل قيمه وأعرافه القديمة..

وبين الذباب الالكتروني والجيش الالكتروني تضيع الكثير من الخصوصية وتكسر الحواجز ويخرج مارد الانحراف والانجراف من قمقمه المخيف ليعيث فساداً في أفكار المجتمع.

سخونة الجلسة بدأت مع الحديث عن الاحتيال عبر التواصل الاجتماعي والذي تداخل مع محور الابتزاز وجهود الحملة الوطنية للاحتيال الالكتروني.. حيث انبرى معظم الحضور في سرد تفاصيل قصص عاشوها أو سمعوا بها.. كان الجميع كمن يتحسس هاتفه وهو يشعر بأنه قنبلة موقوتة يمكنها أن تنفجر في أي لحظة لتحول حياته إلى دمار حقيقي وليجد أن مستقبله قد تحطم، لاسيما حين علّق أحد الحضور بالقول: ما لا يعلمه الجميع هو أنك حين تربط هاتفك بشبكة واي فاي فأنت باختصار تجعل هاتفك مكشوفاً ومفتوحاً لتلك الشبكة.

تجارب الابتزاز والاحتيال الالكتروني التي قدّم بعضها المحاضر فيما تكفل الحضور بسرد أغلبها كانت تشي بأن أساليب السرقة قد تغيرت وأننا بتنا أمام لصوص أكثر بشاعة وجشعاً من اللصوص السابقين، لاسيما وأن الأمر قد يمس حياة الفرد ويدخل في خصوصياته وإلى أدق تفاصيل حياته ليجدها وقد تحولت إلى مادةٍ مشاعة للجميع.. تماماً كالبيضة المكسورة التي لن تعود إلى طبيعتها ثانية.

إدارة الأزمات وجاهزيتنا للمستقبل كانت محوراً مهماً تطرق فيه المحاضر إلى وجوب تطوير أساليبنا في التعامل مع التقنية الحديثة بعيداً عن القوالب النمطية التي لم تعد تُـجـدِ نفعاً أمام هذا العالم المجنون في تسارعه وأمام التدفق المعلوماتي الهائل والأخبار المضروبة لتجد الحقيقة نفسها محشورة في زاوية ضيقة تصرخ دون أن يسمعها أو يتلفت لها أحد، لأنها باختصار لم تستخدم الطرق المناسبة لتقديم نفسها.

الجلسة في مجملها كانت مفيدة ورائعة وإن كان ينقصها تسليط الضوء بشكل أكبر على التأثيرات الاجتماعية لأجيال المستقبل واستقراء القادم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق